ذنبي أني فلسطينية

 

لم أشعر أنني كنت طفلة يوماً، فمنذ نعومة أظافري كان يلازمني دائماً التفكير والإحساس بالمسؤلية تجاه إخوتي الصغار ووالديّ.
حتى في الأوقات التي كانت طفولتي تتغلب عليّ كنت أشعر بتأنيب الضمير وأرجع إلى رصانتي وهدوئي.
جعلني ذلك مميزة عند أبي وأمي وأقربائي …
دائماً أنا الكبيرة العاقلة المتزنة بالإضافة إلى أنني كنت متفوقة في مدرستي … آه ونسيت أيضاً أنه وبالرغم من صغر سني كنت أحافظ على صلاتي في أوقاتها ..
في المرحلة المتوسطة بسبب قصر النظر كان يجب أن أرتدي نظارة طبية …
طبعاً فرحت بذلك في البداية فمازال لديّ جانب من الطفولة ..
وكلما إرتديتها كان يناديني أبي ياطبيبة .. هو طبعاً يريد أن يرفع معنوياتي ويواسيني ظناً منه أنني حزينة لإرتدائها.
في الواقع هو من حزن .
كلما ناداني والدي طبيبة نبتت أكثر وتجذرت في قلبي تلك الأمنية …أن أصبح طبيبة.
كبرت وكبر الحلم في قلبي…
كان والدي دائماً يقول لي سأرسلك للدراسة في ليبيا (لأن خالي يقطن هناك ).
في عامي الأخير من المدرسة وهي مرحلة الثانوية العامة فرض الحصار على ليبيا وحوصر حلمي معها …
أنهيت مرحلتي الدراسية واجتزت إختبارات الثانوية العامة حاصلة على إمتياز
فرح والدي جداً بمعدلي ولم أفرح أنا ..
(معلومة هامة أنا لاجئة فلسطينية نازحة لاأملك هوية فلسطينية بل وثيقة مصرية ).
إنتهت المدرسة وودعت الصديقات والمعلمات بالدموع بل بشلال من الدموع رجعت إلى البيت أُقلب صفحات كتبي وأحتضنها وأبكي …
كنت أبكي فراقي لها … فراقي لروحي المعلقة بها وبالدراسة … وبكيت أكثر حين بدأت صديقاتي بشق طريقهن واحدة تلو الأخرى.
السورية ذهبت للدراسة في سوريا .. والمصرية إلى بلدها .. وحاملة الجواز الفلسطيني إلى فلسطين …
وأنا أنظر وأشاهد وأتحسر …
في يوم سمعنا إشاعة بأنهم فتحوا باب القبول للأجانب (طبعاً هم يقصدون بكلمة الأجانب أي مقيم ممن لا يحمل جنسية ابن البلد وهذا البلد هو الذي أنا ولدت وتربيت وأعيش فيه إلى الآن وهو دولة من دول الخليج ).

رقصت طرباً وفرحاً لهذا الخبر أو الإشاعة وبعدما بدأ حلمي بالذبول ارتوى بمسمعه وانطلقت في صباح يوم مشرق ذاهبة إلى مركز القبول والتسجيل والفرحة تلمع في عيني والأحلام تتهادى أمامها والبسمة تملأ وجهي ..
وصلت إلى هناك ودخلت حاملة ملفي ومابه من أوراق ثبوتية وشهادة الثانوي .. مددت يدي إلى الموظفة التي في الإستقبال، أخذت مني الملف وفتحته لتطلع على معدلي وعندما وقعت عينيها عليه إبتسمت وابتسم قلبي معها أملاً وأنا أسمعها تردد ماشاء الله معدلك ممتاز ولم تكمل جملتها حتى أشارت الموظفة الجالسة بقربها إلى موضع الجنسية في الشهادة لتنبهها. أغلقت الموظفة الملف وأرجعته لي متأسفة قائلة ممنوع لأنك فلسطينية ..
أخذت ملفي بيد ترتجف راجعة أجرجر أذيال الخيبة تكسرت كل أحلامي أمامي ولم يبق في عيني دموع فقد فاضت وجفت بعدها المآقي …
حزن والدي لحزني جداً فاقترح عليه أحد أقربائنا أن أذهب للدراسة في الأردن فوافق أبي وجهز أوراقي وراسل الكليات ولكن في ذلك الوقت ولأنني أحمل وثيقة سفر مصرية أيضاً تم رفضي …
استسلمت لواقعي ومرت الأيام وأنا في البيت أسهر وأنام وأعد الأيام منتظرة فارس الأحلام (بما انو مافي دراسة ).
وجاء الفارس وتزوجت وأنجبت إبنتي الكبرى وبعدها ابني.
وفي ذلك الوقت سمعت عن جامعة القدس المفتوحة التي شرعت أبوابها لقبول الفلسطينيين للدراسة عن بعد….
فرحت جداً …
ولكن هذه المرة وقف زوجي في طريق حلمي قائلاً بأنه لن يتحمل مصاريف دراستي وأنه لن يصرف علي وعلى ابني بحكم أنه في مدرسة أهلية.
طبعاً أنا وكأي أم تنازلت عن حلمي لأن أولادي أهم ..
ومرت الأيام وأنا أرى من كن أقل مني في كل شيء
سواء علمياً أم فكرياً وحتى أخلاقياً قفزن إلى ماكنت أنا أتمناه ..
إنغلقت على نفسي وعشت في قوقعتي كنت أحياناً أكتب بعض الخواطر …. وكانت لي صديقة تعجب بها.
وفي يوم قالت لي:” إسمحي أن أعرضها على قريب لي  وهو مهتم جداً بالأدب …”
لم أرفض أنا ولم أعط الموضوع أهمية فكنت دائماً أقول لها كلماتي ليست بذلك المستوى هي فقط خربشات قلبي.
وفي يوم أخبرتني بأن قريبها معجب جدا بكلماتي ويريد أن يتواصل معي عبر الفيس بوك ..
وكان ذلك ..
واسمحو لي من هذا المنبر أن أوجه له تحية إجلال وتقدير لشخصه الرائع فلولاه ماكنت الآن أدون على منصتكم
فهو من شجعني للإشتراك في المسابقة بالنص الذي أرسلته لكم …
فشكراً لك ياأستاذي فلولاك ماأحببت ذاتي …
هو من فجر بداخلي هذا العشق للكتابة وشجعني ووضع قدمي على الطريق الصحيح
أرجع ثقتي بنفسي أعطاني من نهر علمه وجعلني أقرأ وأقرأ …
أيقظ داخلي الرغبة الدفينة للعلم وطبعاً الآن عبر الشبكة العنكبوتية كل شيء متاح …
والآن وبعد كل هذه السنين سأرجع إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى بعد شهر من الآن سألتحق بمعهد لدراسة دبلوم تقنية واتصالات تخصص برمجة حاسوب والفضل لهذا لأختي وتوأم روحي والداعم الأكبر لي  مادياً ومعنوياً فلها أوجه شكري وإمتناني ودعواتي التي أزفها لها كل لحظة إلى رب السماء …
أنا سعيدة جداً .. ولكن كلما أرى إبنتي أرى حلمي فيها أراها طبيبة ولكن الخوف يعتصرني
لأنها هي أيضاً فلسطينية ..
ففلسطينيتي منعتني من أبسط حقوقي وأهمها
حقي في العلم
وحقي في الحب والحياة …
فما أعظم ذنبي !!!!!!!!!!!!

4 تعليقات على “ذنبي أني فلسطينية

  1. صفاء العربيصفاء العربي

    قصة مؤثرة وتدل علي انك صاحبة عزيمة قوية وحبك لمواصلة التعليم مهما كانت الظروف يدل علي ان روح الحماسة عندك عالية ، اتمني لك التوفيق والنجاح أكثر وأكثر

    تحياتي
    صفاء العربي

    رد
  2. مكاريوس نصار

    أنا متأكد أن الله جعل كل الأشياء فى الكون تعمل معا للخير ولأجلك .. كل حدث فى قصتك هى جزء من خطة الله لكى , لكن ستعرفيها فى الوقت المحدد ..
    تحياتى انا مكاريوس من حى الزبالين

    رد
  3. Foad MosedFoad Mosed

    رائعة في كتابتك وفي حلمك وكفاحك.. وفي قدرتك على السرد بطريقة آسرة.
    إنه ليس ذنبك ولكنه واقعنا العربي الموشح بالسواد،

    رد

اترك رداً على صفاء العربي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *